فصل: هل الخلع طلاق أم فسخ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.هل الخلع طلاق أم فسخ:

ذهب جمهور العلماء إلى أن الخلع طلاق بائن، لما تقدم في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ الحديقة وطلقها تطليقة».
ولأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة للزوج في الفراق، مما ليس يرجع إلى اختياره.
وهذا راجع إلى الاختيار، فليس بفسخ.
وذهب بعض العلماء، منهم أحمد، وداود من الفقهاء، وابن عباس، وعثمان، وابن عمر من الصحابة: إلى أنه فسخ.
لأن الله تعالى ذكر في كتابه الطلاق، فقال: {الطلاق مرتان}.
ثم ذكر الافتداء.
ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
فلو كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زواج، هو الطلاق الرابع.
ويجوز هؤلاء أن الفسوخ تقع بالتراضي، قياسا على فسوخ البيع كما في الاقالة.
قال ابن القيم: والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه سبحانه وتعالى رتب الطلاق بعد الدخول الذي لا يستوف عدده ثلاثة أحكام، كلها منتفية عن الخلع:
الأول أن الزوج أحق بالرجعة فيه.
الثاني أنه محسوب من الثلاث، فلا تحل بعد استيفاء العدد، إلا بعد دخول زوج وإصابته.
الثالث أن العدة فيه ثلاثة قروء.
وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع، وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة، وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين، ووقوع ثالثة بعدها.
وهذا ظاهر جدا في كونه ليس بطلاق.
وثمرة هذا الخلاف تظهر في الاعتداد بالطلاق.
فمن رأى أنه طلاق، احتسبه طلقة بائنة.
ومن رأى أنه فسخ لم يحتسبه، فمن طلق امرأته تطليقتين ثم خالعها، ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك، وإن لم تنكح زوجا غيره، لأنه ليس له غير تطليقتين. والخلع لغو.
ومن جعل الخلع طلاقا قال: لم يجز له أن يرتجعها حتى تنكح زوجا غيره، لأنه بالخلع كملت الثلاث.
هل يلحق المختلعة طلاق؟: المختلعة لا يلحقها طلاق، سواء قلنا بأن الخلع طلاق أو فسخ، وكلاهما يصير المرأة أجنبية عن زوجها. وإذا صارت أجنبية عنه، فإنه لا يلحقها الطلاق.
وقال أبو حنيفة: المختلعة يلحقها الطلاق، ولذلك لا يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها.

.عدة المختلعة:

ثبت من السنة أن المختلعة تعتد بحيضة ففي قصة ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال: نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها» رواه النسائي بإسناد رجاله ثقاة.
وإلى هذا ذهب عثمان، وابن عباس، وأصح الروايتين عن أحمد، وهو مذهب إسحق بن راهويه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: من نظر هذا القول وجده مقتضى قواعد الشريعة: فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض، ليطول زمن الرجعة، ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء.
وقال ابن القيم: هذا مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله ابن عمر، والربيع بنت معوذ، وعمها وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم، فهؤلاء الأربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر: أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء، وهي تخبر عبد الله بن عمر، أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان، فقال له: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم، أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل، ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة. خشية أن يكون بها حبل فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا.
ونقل عن أبي جعفر النحاس في كتاب - الناسخ والمنسوخ - أن هذا إجماع من الصحابة..ومذهب الجمهور من العلماء أن المختلعة عدتها ثلاث حيض إن كانت ممن يحيض.

.نشوز الرجل:

إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضة عنها إما لمرضها أو لكبر سنها، أو لدمامة وجهها، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما، ولو كان في الصلح تنازل الزوجة عن بعض حقوقها ترضية لزوجها.
لقول الله سبحانه: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير}.
وروى البخاري عن عائشة قالت في هذه الرواية: «هي المرأة تكون عند الرجل، لا يستكثر منها، فيريد طلاقها، ويتزوج عليها، تقول: أمسكني، ولا تطلقني، وتزوج غيري، فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي».
روى أبو داود عن عائشة أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: يارسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: في ذلك أنزل الله جل ثناؤه، وفي أشباهها.
أراه قال: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا}.
قال في المغني: ومتى صالحته على ترك شيء من قسمتها أو نفقتها، أو على ذلك كله جاز..فإن رجعت فلها ذلك.
قال أحمد في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها: إن رضيت على هذا، وإلا فأنت أعلم، فتقول: قد رضيت، فهو جائز، فإن شاءت رجعت.
الشقاق بين الزوجين:
إذا وقع الشقاق بين الزوجين واستحكم العداء وخيف من الفرقة وتعرضت الحياة الزوجية للانهيار بعث الحاكم حكمين لينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة من إبقاء الحياة للزوجية أو إنهائها.
يقول الله سبحانه: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}.
ويشترط أن يكون الحكمان عاقلين بالغين عدلين مسلمين.
ولا يشترط أن يكونا من أهلهما، فإن كانا من غير أهلهما جاز، والأمر في الآية للندب، لأنهما أرفق من جانب وأدرى بما يحدث، وأعلم بالحال من جانب آخر.
وللحكمين أن يفعلا ما فيه المصلحة من الابقاء أو الأنهاء دون الحاجة إلى رضا الزوجين أو توكيلهما.
وهذا رأي علي، وابن عباس، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير، ومالك، والاوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر.
وقد تقدم ذلك في فصل سابق.

.الظهار:

تعريفه: الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي.
قال في الفتح: وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الاعضاء، لأنه محل الركوب غالبا، ولذلك سمي المركوب ظهرا، فشبهت المرأة بذلك لأنها مركوب الرجل.
والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهر محرما للمرأة حتى يكفر زوجها.
فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق، كان ظهارا، ولو طلق يريد ظهارا كان طلاقا، فلو قال: أنت علي كظهر أمي، وعنى به الطلاق لم يكن طلاقا، وكان ظهارا لا تطلق به المرأة.
قال ابن القيم: وهذا لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فنسخ، فلم يجز أن يعاد إلى الحكم المنسوخ، وأيضا أن أوس بن الصامت إنما نوى به الطلاق على ما كان عليه، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق، وأيضا فإنه صريح في حكمه، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي أبطله الله بشرعه، وقضاء الله أحق، وحكم الله أوجب. اهـ.
وقد أجمع العلماء على حرمته، فلا يجوز الاقدام عليه لقول الله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور}.
وأصل ذلك ما ثبت في السنن أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة، وهي التي جادلت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكت إلى الله، وسمع الله شكواها من فوق سبع سموات.
فقالت: «يا رسول الله؟ إن أوس بن الصامت تزوجني، وأنا شابة مرغوب في، فلما خلا سني، ونثرت بطني، جعلني كأمة عنده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عندي في أمرك شيء فقالت: اللهم إني أشكو إليك».
وروي أنها قالت: «أن لي صبية صغارا، أن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا»: فنزل القرآن..وقالت عائشة: الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في كسر البيت، يخفي علي بعض كلامها، فأنزل الله عزوجل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاور كما إن الله سميع بصير} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليعتق رقبة قالت: لا يجد! قال: فيصوم شهرين متتابعين قالت: يارسول الله إنه شيخ كبير، ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكينا قالت: ما عنده من شيء يتصدق به قال: سأعينه بعرق من تمر! قالت: وأنا أعينه بعرق آخر؟ قال: أحسنت، فأطعمي عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك».
وفي السنن أن سلمة بن صخر البياضي، ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، تم واقعها ليلة قبل انسلاخه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت بذاك يا سلمة قال: قلت: أنا بذاك يارسول الله؟ - مرتين - وأنا صابر لامر الله، فاحكم في بما أراك الله قال: حرر رقبة قلت: والذي بعثك بالحق نبيا ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال فصم شهرين متتابعين قلت: فهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام؟..قال: فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين، ما لنا طعام قال: فانطلق إلى صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها قال: فرحت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم».

.هل الظهار مختص بالأم؟

ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم، كما ورد في القرآن، وكما جاء في السنة.
فلو قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي كان مظاهرا، ولو قال لها: أنت علي كظهر أختي لم يكن ذلك ظهارا.
وذهب البعض، منهم الأحناف، والاوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه، وزيد بن علي، إلى أنه يقاس على الأم جميع المحارم.
فالظهار عندهم هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات عليه على وجه التأييد بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع، إذ العلة هي التحريم المؤبد.
ومن قال لامرأته: إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير فإنه لا يكون مظاهرا.
من يكون منه الظهار: والظهار لا يكون إلا من الزوج العاقل البالغ المسلم لزوجة قد انعقد زواجها انعقادا صحيحا نافذا.